كل ما يبدأ بطريقة خاطئة يستمر علي الخطأ
من فضل الله وكرمه أن جعل الشريعة الإسلامية خاتمة الرسالات السماوية، لما تحتويه من تشريعات تتعلق بالعبادات من جانب وبالمعاملات من جانب آخر، ومن أبرز الأمور التي اهتم بها الاسلام تهذيب العلاقة بين الرجل والمرأة وتوجيهها التوجيه الصحيح الذي يضمن الحياة الكريمة والسعيدة لكل منهما، فالله سبحانه وتعالي خلق البشر وهو أعلم بطبيعة النفس الانسانية ولنتأمل قوله تعالي: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) الروم: 21 ، فما أروع هذا الدين الذي يبني العلاقة بين الرجل والمرأة علي أساس المودة والرحمة والتآلف بين القلوب.
من هذا المنطلق يأتي الحديث عما صار في مجتمعاتنا من اختلال للقيم والسلوكيات وغياب الضابط الأخلاقي الذي يحكم الرابط بين الرجل والمرأة، فطغت ظاهرة تعدد العلاقات قبل الزواج فنري الشباب يسعون لتكوين ما يسمونه بالصداقات بين الفتيات، ويتنافسون في مقدرة كل واحد منهم علي التعرف علي أكبر عدد منهن واسقاطهن في شباك مشاعر مزيفة لا أصل في مصداقيتها، ومن المؤسف أن الفتاة بطبيعتها الرقيقة تنجرف وراء تيار تلك المشاعر إشباعاً لغريزة فطرية في داخلها فتبدأ العلاقة بكلمات ونظرات، ثم تبادل رسائل تخدش الحياء وبعد ذلك تتطور الي مكالمات يومية غالباً ما تكون بدون علم الأسرة، ولربما تنتهي تلك العلاقة الي ما هو أبشع من ذلك، فكل ما بدأ بطريقة خاطئة يستمر علي الخطأ وينتهي بخطأ أكبر يؤدي في أغلب الأحيان الي هلاك مقترفه.
وإذا سلطنا النظر علي رؤية واقعية لأسباب هذه العلاقات يأتي في مقدمتها غياب أو سطحية الثقافة الإسلامية، والاعتقادات الخاطئة أنها تدعو الي العزلة وقسوة القلوب والرهبانية، وهذا ظن ضعاف العقول والنفوس، فالأصل ان شريعتنا ترتقي بالنفس البشرية وتسمو بها بحسن تدبيرها لتلك العلاقات التي أساسها الطهر والصفاء والمحبة التي تنتهي بزواج يحترم كرامة الرجل والمرأة.
وبالتطرق الي الأسباب الأخري نجد أن مرحلة المراهقة العاطفية تلعب دوراً مهما حيث تبرز فيها الغرائز وتغلب المشاعر علي تصرفات الشباب ويتملكهم حب الاستطلاع والتجربة، نضيف الي ذلك الفراغ القاتل وعدم استغلال الوقت فيما ينفع، فيبدأ الشباب في البحث عما يشغل فراغهم كوسيلة للمتعة والتسلية. ولا يخفي علينا أن الانفراد والعزلة وكبت الآباء لأبنائهم وعدم فتح المجال للمناقشة والتفاهم تؤدي الي ضياعهم وانحرافهم، بالاضافة الي غياب الصحبة الصالحة الطيبة واستبدالها بأصدقاء السوء الذين يزينون طريق المعصية والضياع.
وهناك دور الإعلام وضغط وسائل الإغواء والفساد التي تبسط وتجمل علاقة الشاب بالفتاة في غير ما أحل الله وتقصر معني الحب علي هذه العلاقة المحرمة وتشوه صور المتدينين الملتزمين وتصفهم بالسطحية والسذاجة.
وبالأكيد نتيجة هذه العلاقات هي كوارث عائلية واجتماعية، وتفكك الروابط الأسرية، وغياب الأخلاق والقيم الإنسانية، وحالات متعددة من جرائم عنف الشباب ضد الفتيات، بالاضافة الي عزوف بعض الشباب عن الزواج لأنه يفقد الثقة في الفتاة ويتملكه الشك في أخلاقها وبالتالي تزيد نسبة العنوسة بين الفتيات، ولا نتجاهل الاضطرابات النفسية والعاطفية التي تؤدي بهم الي الفشل الدراسي وهنا يتجلي قوله تعالي: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمي. قال رب لم حشرتني أعمي وقد كنت بصيرا. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسي) طه .
إذاً لا بد من خلق حلول لهذه الظاهرة تتجلي في زيادة الوازع الديني لدي الشباب، وحثهم علي التحلي بالأخلاق الحميدة، ومخاطبتهم بلغة دينية بسيطة تصل الي عقولهم وقلوبهم، بالاضافة الي دور الأسرة المهم في حسن تربية الأبناء وتنشئتهم في محيط أساسه الدين والأخلاق مع ضرورة وجود نوع من الضبط لسلوكياتهم بلا إفراط ولا تفريط، والاستماع إليهم وخلق نوع من التفاهم والصراحة بينهم. كما أن للمربين والمعلمين دور مهم في زيادة التوعية بين الشباب، وانشاء جيل ذي أهداف ودور فعال في المجتمع، وأسمي ما أحب أن أشير إليه هو ضرورة التحلي بخلق الحياء كما أوصانا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - حين قال: استحيوا من الله حق الحياء قالوا: إننا نستحيد يا رسول الله. قال: ليس الحياء ذلكم ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعي وليحفظ البطن وما حوي، وليذكر الموت والبلي، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء (رواه الترمذي).
فالحياء من الحياة فكلما كان القلب حياً بالإيمان كان الحياء أتم وكلما كان القلب ميتاً قل الحياء وتجرأ الفرد علي المعصية، لذا آخر ما أوصي به نفسي واخواني قوله صلي الله عليه وسلم: إذا لم تستح فاصنع ما شئت (رواه البخاري).
.
.
.
.
اشكر لكم حسن انتباهكم
ووفقكـــــــــــــــم اللــــــــــــــــــه