تقول حكاية صينية؛ إن أحد الأشخاص كان يعاني كثيراً من الغضب مما جعل حياته وحياة المتعاملين معه متعبة له ولهم، وعندما لجأ هذا الغاضب باستمرار إلى أحد الحكماء طلباً إلى علاج لمشكلته؛ أعطاه الحكيم مطرقة وصندوقا مليئا بالمسامير ووجهه إلى سور خشبي جميل وطلب منه أن يدق مسماراً واحداً في السور كلما انتابته حالة غضب
ومع زيادة عدد المسامير التي دقها الغاضب في اليوم الأول، بدأ عددها يتناقص شيئاً فشيئا كل يوم حتى وصل إلى اليوم الذي لم يغضب فيه وهنا ذهب إلى الحكيم وأخبره بذلك، فطلب منه الحكيم أن يقوم باقتلاع مسمار واحد من السور كلما مر عليه يوم بدون أن تنتابه حالة غضب. وبعد فترة زمنية طويلة عاد إلى الحكيم وأخبره أنه لم يعد هناك مسامير في السور الخشبي وشكر الحكيم على علاجه لحالة الغضب لديه وأراد الانصراف، لكن الحكيم أخذه إلى السور الخشبي الذي تحول إلى لوحة فنية مشوهة بآثار المسامير المقتلعة؛ وهنا أبلغ الحكيم صاحبنا الغاضب السابق بأننا عندما نتجاوز مرحلة الغضب وحتى عندما نتخلص منه فإننا لا نستطيع طمس الآثار السلبية التي تركناها على الآخرين وفي أنفسنا كما تشاهدها على هذا السور الذي كان جميلاً.
الغضب إحساس
طبيعي للنفس البشرية وتختلف حدته من شخص إلى آخر، وينتج عنه الكثير من التأثيرات الفسيولوجية والنفسية على الغاضب. ويغضب الإنسان عند إحساسه بالتعدي على حقوقه أو كرامته، ويكون ذلك بناء على حقائق صحيحة أو من نسج خياله أو بناء على خبرات وتجارب قديمة. وتبقى الخيارات أمام الإنسان للتعامل مع الإحساس بالغضب متفاوتة بين التعبير عنه بشكل مزعج ومتعب أو بصورة هادئة ومقبولة، ويبقى كذلك خيار كبت الغضب في داخل الإنسان وهذا الخيار له نتائج سلبية كبيرة جسدية ونفسية، وإذا تجاوزنا اللجوء إلى خيار الكبت؛ فإن التعامل مع خيار التعبير أو بمعنى أدق التفريغ للغضب، فإن هناك وسائل عديدة لتحقيق ذلك وكلها تقود إلى تغيير في تفكيرنا الذي تسبب لنا بنوبة الغضب، ولعل أولها التوجيه النبوي العظيم باستخدام أسلوب تغيير الحال، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)، ولعل أسلوب تغيير الحال من أفضل أساليب التعامل مع نوبات الغضب ويدخل من ضمنها تغيير البيئة أو المكان لحين زوال حالة الغضب.
وكثيراً ما تنجح وسائل الاسترخاء المختلفة في تخفيف حدة الغضب وآثارها. ولعل أسوأ إحساس يشعر به الإنسان، هو الإحساس بالندم على سلوكياته أثناء نوبة غضبه، لما سببه من تأثير سلبي على الآخرين، سواء من خلال إساءة اللفظ أو الفعل أو اتخاذ قرارات خاطئة في حقهم، والقدرة على التحكم بالغضب والتعامل معه ليست مهارة سهلة المنال؛ بل تتطلب جهداً كبيراً من الغاضب ومساندة من أحبائه؛ مع التذكر الدائم للجروح والآثار السلبية التي تسببنا بها لدى الآخرين مثل التشويه الذي تركته مسامير الحكيم في السور الخشبي الذي كان جميلاً.
ومن التصنيفات الطريفة لأنواع البشر فيما يتعلق بالغضب، نوع سريع الغضب سريع الرضا، ونوع بطيء الغضب بطيء الرضا، ونوع سريع الغضب بطيء الرضا، ونوع بطيء الغضب سريع الرضا، وهذا النوع الأخير هم الحلماء والحكماء ولكل نوع من هؤلاء حكاية طويلة. ويبقى سؤال صغير يهمك وهو: من أي نوع من البشر أنت؟.
المصدر/ جريدة اليوم السعودية